
خطاب الرئيس زين العابدين بن علي في إنطلاق الحملة الانتخابية الرئاسية والتشريعية
الكرم 10 أكتوبر 2004
بسم الله الرحمان الرحيم
أيها المواطنون،
أيتها المواطنات،
في كافة ربوع هذا البلد الأمين وخارج أرض الوطن،
نفتتح على بركة الله الحملة الانتخابية الرئاسية والتشريعية، نجدد اللقاء ونجدد العهد، العهد الذي قطعناه على أنفسنا من أجل تونس، من أجل عزتها ومناعتها، من أجل رفعتها وتقدمها، نجدد العهد جميعا من أجل الوطن.
في سبيله أقدمنا على الإنقاذ فجر التحول، وأعدنا إلى الشعب سيادته وإلى الجمهورية ومؤسساتها مكانتها.
ومن أجله أرسينا مشروع التغيير على مبادئ الإصلاح والتحديث، فكان عهدا للبناء والإنجاز وتحقيق المكاسب، عهدا للمستقبل الأفضل لأجيالنا القادمة.
وكان شعبنا، رجالا ونساء من كل الأجيال، عمالا بالفكر والساعد، فلاحين وبحارة، وأصحاب أعمال، كان شعبنا في الموعد وانخرط في المسار الذي انتهجناه والخيارات التي رسمناها في كل مرحلة. إننا راهنا على نضج هذا الشعب وكسبنا الرهان.
وبكل عزم وإصرار ثابرنا على المبادرة والعمل والإنجاز وبرهن التونسيون والتونسيات على قدرة شعبنا وثراء طاقاته.
وحققنا لتونس منذ التغيير، ما بدل أحوالها في كافة مجالات الحياة، إذ تضاعف الناتج المحلي الإجمالي خمس مرات، وتعززت مصداقية بلادنا في محيطها الخارجي.
وتراجعت المديونية، وانخفض معدل نسبة التضخم إلى مستوى 3% بعد أن كانت تتجاوز الضعف.
ونشط قطاع التصدير، وتضاعف الدخل الفردي أكثر من ثلاث مرات.
وحققنا الهدف الذي رسمناه في برنامجنا المستقبلي سنة 1999 بتجاوز مستوى 3.500 دينار كمعدل للدخل الفردي سنة 2004.
إننا عملنا بكل عزم ومثابرة على الارتقاء بنوعية حياة المواطن في المدن والأرياف وفي كل المواقع.
وتغيرت تركيبة المجتمع التونسي. فقد نزل معدل النمو السكاني إلى نسبة 1.08% بعد أن كان أكثر من ضعف ذلك سنة 1987، وتحسنت ظروف الصحة والعيش ليبلغ أمل الحياة عند الولادة 73.2عاما بعد أن كان 67 عاما فقط في بداية عهد التغيير.
وتضاعف عدد الطلبة ست مرات لتفوق نسبة التدريس بالتعليم العالي 26.4% من بين الفئة العمرية 20-24 سنة. واليوم تضم مدارسنا الإعدادية ومعاهدنا الثانوية أكثر من مليون ومائة ألف تلميذ بعد ما كانوا في حدود 420 ألفا فقط.
كل ذلك بفضل الإصلاحات التي بادرنا بها للارتقاء بنظامنا التربوي لتحسين مردوده، وتأهيل مؤسساته، والقضاء على الظواهر السلبية مثل الانقطاع المدرسي وتدني نسب النجاح.
وعملنا بتلك الإصلاحات على ترسيخ مقومات هويتنا الوطنية لدى الناشئة، وتثبيت أقدامهم في معارف العصر وعلومه وتقنياته لكسب رهان الحداثة.
وإذ كانت نسبة التحويلات والمصاريف الاجتماعية من ميزانية الدولة في حدود 44% سنة 1986 فإنها تبلغ اليوم 53.5% تكريسا لرهاننا على الإنسان. فقد حرصنا على توجيه جهودنا إلى قطاعات الصحة والتعليم والتكوين والبحث والتشغيل والبرامج الاجتماعية المختلفة.
واليوم وقد بلغت نسبة التغطية الاجتماعية 86% بعد أن كانت في حدود 54.6% فقط، وتسارع نسق إحداثات الشغل وارتفعت نسبة نشاط المرأة، فقد ترسخت كل المقومات، وتهيأت كل الظروف لتحقيق النقلة النوعية المنشودة لبلادنا، حتى يواصل شعبنا مسيرة النجاح التي وضعته في فترة وجيزة في كوكبة الدول الصاعدة.
لقد كانت الفترة الماضية على الساحة العالمية مليئة بالصعوبات والتحديات، رافقتها على الساحة المحلية أحوال مناخية غير ملائمة ثم أسعار مشطة للنفط في الأسواق العالمية، وانكماش للاستثمار الخارجي بسبب تلك العوامل.
وقد شهدت بداية القرن الجديد تحولات وأحداثا كبرى، أثرت بكل عمق في الأوضاع العالمية على جميع الأصعدة، وبدلت النظام العالمي تبديلا كاملا، وأثرت في أبعاده الحضارية والدينية.
وزادتها حدة الأشكال الجديدة التي اتخذتها أعمال العنف والإرهاب، فهددت بعمق روابط التعاون والتضامن بين الدول والشعوب وصلات الحوار والتفاهم بينها.
ورغم الظروف والصعوبات، فقد توفقت بلادنا على مدى السنوات الخمس الماضية إلى الحفاظ على توازناتها والصمود أمام التقلبات الاقتصادية العالمية، والانطلاق مجددا نحو مزيد النمو والرقي وتحقيق أفضل النتائج. بل توفقنا بفضل سلامة خياراتنا، إلى إنجاز برنامجنا الانتخابي الذي كنا طرحناه على الناخبين سنة 1999 بكل عناصره وبنسبة 100%.
لقد أنجزنا ما وعدنا به شعبنا، وواصلنا التقدم على درب الرفاه والازدهار. فلم تنقطع الزيادات في الأجور إذ حرصنا على نهجنا في الوفاق الاجتماعي وسياستنا التعاقدية، التي جعلت من بلادنا نموذجا فريدا رغم الظروف والصعوبات التي ذكرناها.
نجاحنا تحقق أيضا بفضل وعي شعبنا رجالا ونساء ومنظماتنا الوطنية، أعرافا وفلاحين وبحارة وشغالين بالفكر والساعد، وبفضل شعورهم بالمسؤولية وحرصهم على المصلحة العليا للوطن.
أيها المواطنون،
أيتها المواطنات،
إن الانتخابات الرئاسية والتشريعية ليوم 24 أكتوبر فرصة متميزة للتعريف بالبرامج الانتخابية للأحزاب وتوجهاتها وخياراتها؛ وهي فرصة للعمل ومزيد كسب الأنصار في ظل المناخ الديمقراطي التعددي الذي حرصنا على إرسائه، وتعزيزه بضمان تعدد الترشحات لرئاسة الجمهورية، وترسيخ تعدد الألوان السياسية في مجلس النواب.
وهذه الانتخابات التي وفرنا لها كافة ضمانات الشفافية والنزاهة، وأتحنا الإمكانية لكل من يرغب في متابعتها من البلدان الشقيقة والصديقة ليواكب مختلف مراحلها؛ هذه الانتخابات ستوفر المجال مجددا أمام الجميع للتعامل الحضاري الراقي في كنف مبادئ السلوك الديمقراطي.
وإذ نشكر مجددا كل من ساند ترشحنا من منظمات وطنية، ومن مكونات المجتمع المدني ومن بين الأحزاب، الذين عبروا عن كبير الثقة في خياراتنا وعميق الالتزام بتوجهاتنا، فإننا واثقون بأنهم سيكونون خير دعامة لإ نجاح هذه الانتخابات ؛ وفي مقدمة كل هؤلاء التجمع الدستوري الديمقراطي، الحزب الذي ينالنا شرف رئاسته والحزب الذي رشحنا لهذه الانتخابات، حزب النضال والمجد وحزب التغيير والطموح، الحزب الذي يزخر بالكفاءات والقدرات، رجالا ونساء، خدمة لهذا الوطن العزيز في كل المواقع.
إننا واثقون بأن التجمع الدستوري الديمقراطي، حزبنا العتيد، سيجدد الموعد مع طموحات شعبنا وتطلعاته إلى المستقبل.
أيها المواطنون،
أيتها المواطنات،
من أجل تونس العزيزة المنيعة نبذل ونضحي، ومن أجل تونس الغد، من أجل شبابها وأجيالها القادمة رسمنا برنامجنا الانتخابي 2004-2009، برنامجنا لتونس الغد.
أردناه برنامجا لمرحلة، وأردناه أيضا برنامجا يؤسس للمراحل الموالية، ويفتح آفاقا جديدة لتونس، لمستقبل أجيالها الناشئة.
تونس المتقدمة التي نريدها متماسكة البناء، قوية النسيج الاجتماعي، راسخة في الحداثة، متمكنة من التكنولوجيا الحديثة والمستجدات العلمية والصناعات الجديدة والمجددة.
إننا نبني الحاضر ونؤسس للمستقبل، ننجز ونهيّئ للإنجاز ونمهد السبيل أمام أجيالنا المقبلة.
برنامجنا، توجهاته وخياراته نابعة من روح الإصلاح والتحديث ودستور البلاد الجديد. برنامجنا، ثوابته ومبادئه من ثوابت الجمهورية ومبادئها، ومن قيم دولة القانون والمؤسسات دولة الحرية والأمان والعدالة.
برنامجنا، مفاهيمه وعناصره لبنات قوية في بناء مجتمع المعرفة، وإرساء الاقتصاد الجديد، وتحرير المبادرة. فيه مساندة أقوى للتشغيل، أولويتنا الدائمة، ودفع لإحداث المؤسسات واقتحام الأسواق الخارجية.
برنامجنا خدمة لخياراتنا الاستراتيجية.
إنه برنامج للجميع، لأنه برنامج لجودة الحياة والرفاه، برنامج لتعزيز المساواة وتفعيل حقوق المرأة، برنامج للشباب والطفولة، برنامج لجميع الفئات.
إنه برنامج يعزز الطبقة الوسطى ومكاسبها ويدعم الفئات ذات الاحتياجات الخصوصية، وهو برنامج لأبناء تونس وبناتها بالخارج، فيه مكانة فضلى لكل قيمنا السامية، قيم العمل والتضامن والاعتدال والتسامح.
إن هذه الانتخابات الرئاسية والتشريعية، تأتي وتونس في مرحلة تؤهلها بكل جدارة للحاق بركب الدول المتقدمة والاقتصاديات الحديثة.
وإن مكاسبنا وإنجازاتنا وكل مؤشرات التطور، تدعم تفاؤلنا وتقوي عزمنا على تحقيق ذلك الهدف السامي، هدف اللحاق بالدول المتقدمة من أجل شعبنا، من أجل عزة الوطن ورخاء أجياله الحاضرة والمقبلة.
نطرح اليوم برنامجنا لتونس الغد. وبهذا البرنامج، بمحاوره الواحد والعشرين نفتح عهدا متجددا من الإنجاز والعمل، نفتح لتونس آفاقا جديدة، ونضع بهذه المحاور إحدى وعشرين لبنة في بناء المرحلة المقبلة حتى تكون مرحلة حاسمة في إعداد تونس المستقبل.
أيها المواطنون،
أيتها المواطنات،
إننا نعتبر التشغيل أولويتنا الدائمة، لذلك وضعنا في برنامجنا الآليات لدعمه والإجراءات لحفزه. وحرصنا على تشجيع المبادرة الفردية والعمل اللامادي وتشخيص المهن المستحدثة والحفاظ على المهارات التقليدية.
وإذ تمكنا خلال السنوات الخمس الماضية من تحقيق تقدم ملموس في استيعاب الطلب الإضافي على التشغيل فتم إحداث 350 ألف موطن شغل أي بمعدل 70 ألف موطن جديد كل سنة وتقلصت نسبة البطالة بنقطتين لتبلغ لأول مرة في بلادنا 13.9% فإننا وضعنا التشغيل مجددا في صدارة برنامجنا، حتى نحقق تفاعلا أكبر بين تطور هيكلة سوق الشغل وارتفاع نسبة أصحاب الشهائد العليا من ناحية، وتطور الاقتصاد الوطني ونسيج قطاعاته المختلفة من ناحية أخرى.
وأقررنا من خلال هذا البرنامج الترفيع في سقف قروض البنك التونسي للتضامن، وفي قروض الاستثمار لحاملي الشهادات العليا وتيسير إجراءات بعث الشركات وتعميم آليات الإحاطة على كافة الولايات.
ودعمناه باعتماد برامج عملية لمزيد الارتقاء بمنظومتنا التربوية في كل مراحلها، ولتأهيلها حتى تبلغ مؤشراتها مستويات أكث-ر النظم التربوية تقدما في العالم، سواء من حيث التأطير والمردودية أو ظروف الدراسة وجودتها، أو من حيث نجاعة البحث العلمي وتكامل المؤسسة التربوية مع محيطها الاجتماعي والاقتصادي وتجذرها في هويتنا وثقافتنا الوطنية.
لذلك سنعمم السنة التحضيرية قبل موفى سنة 2009، وسنبلغ نسبة حاسوب لكل قسم في كل مراحل التعليم المدرسي قبل ذلك التاريخ. وسنهيئ جامعاتنا ونحدث مؤسسات جديدة في كل الجهات لتستجيب لحاجياتنا في التعليم العالي حيث سيفوق عدد الطلبة نصف مليون طالب سنة 2009.
كما سنعمل على كسب رهان الجودة في التكوين المهني وسنطور نظام تمويله، بما يؤمن استجابته لحاجيات الاقتصاد ويعزز الجسور بينه وبين المؤسسة من ناحية، وبينه وبين منظومة التعليم من ناحية أخرى.
وإيمانا منا بدور قطاع البحث العلمي في إرساء مجتمع المعرفة ودعم مسيرة التنمية وفتح فاق الابتكار والابداع أمام الكفاءات، فإننا عاقدون العزم على رفع نصيب البحث العلمي والتكنولوجي من الناتج المحلي إلى مستوى 1.25% مع موفى 2009 وإعطاء مكانة أكبر للقطاع الخاص في هذا المجال، بعد أن حققنا الهدف المرسوم في برنامجنا المستقبلي ببلوغ تلك النسبة 1%.
أيها المواطنون،
أيتها المواطنات،
إن أكبر تحديات المرحلة القادمة الرفع في نسق إحداث المؤسسات في كل القطاعات، وخصوصا في مجال الخدمات والصناعات المجددة والواعدة. لذلك جعلنا منه محورا أساسيا في برنامجنا لمزيد دفع التشغيل والاقتدار على المنافسة والاندماج في الاقتصاد العالمي وإنجاح مسار الشراكة مع مختلف الأطراف التي تربطنا بها علاقات اقتصادية.
إن هدفنا هو إحداث 70 ألف مؤسسة أو مشروع جديد خلال السنوات الخمس المقبلة، وسنمهد السبل أمام المبادرة بإقرار تخفيض المقدار المستوجب قانونيا لرأس المال عند إحداث الشركات محدودة المسؤولية إلى ألف دينار فقط. وسنحدث بنكا مختصا في تمويل المؤسسات المتوسطة والصغرى لمساعدتها على الاقتراض.
وإلى جانب العمل على بعث جيل من المؤسسات المجددة أقررنا تكثيف الحوافز والتشجيعات للمؤسسات المصدرة، التي سنمكنها من الاحتفاظ بكامل العملة الأجنبية التي تتحصل عليها بعنوان التصدير، وسنرفع في منحة أسفار الأعمال ومنحة أسفار باعثي المشاريع الجديدة.
وإضافة إلى التركيز على ثقافة الجودة ورفع عدد مؤسساتنا الحاصلة على مطابقة المواصفات العالمية، وضعنا رفع نسبة التأطير الوطنية إلى 17% هدفا لسنة 2009.
وحتى تكون لكل جهات البلاد نفس الحظوظ للانتفاع من هذا المجهود الوطني سنحدث مركز أعمال في كل ولاية، يجمع كافة هياكل المساندة والإحاطة ويوفر المعلومات للباعث والمؤسسة، منذ المراحل السابقة لإحداث المشروع إلى مرحلة التمويل والإنجاز الفعلي.
ولأن اقتصاد المعرفة مكون أساسي في الاقتصاد الجديد الذي نسعى إلى إرساء دعائمه، فإننا سنعمل على إدماج بلادنا في الخارطة العالمية لاقتصاد الذكاء وجلب الاستثمارات الخارجية لتونس في هذا الميدان، معتمدين على ثراء مواردنا البشرية وكفاءتها في مختلف الاختصاصات.
وسنتقدم بالتغطية الهاتفية لتبلغ 80% سنة 2009. كما أقررنا في برنامجنا الإلغاء التدريجي لمعاليم الاشتراك في شبكات الهاتف، وبناء شبكة إلكترونية بطاقة أعلى مع الخارج وتعميم السعة العالية لفائدة المشتركين أفرادا ومؤسسات.
ووضعنا بلوغ رقم مليون حاسوب بالبلاد هدفا لسنة 2009.
وإذ نسعى إلى تحقيق نسبة نمو أسرع واندماج أكبر في الاقتصاد المعولم، فإننا سنضاعف الجهود في إطار ثوابت العمل التنموي وفي مقدمتها الترابط بين البعدين الاقتصادي والاجتماعي، من أجل التحكم في التضخم لتبقى نسبته في حدود 3% وكذلك في العجز الجاري لميزان الدفوعات حتى لا يتجاوز نسبة 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي، إلى جانب مواصلة النزول بنسبة التداين، تأمينا لمستقبل أجيالنا القادمة.
كما سنخفف من الضغط الجبائي والأعباء الموظفة على المؤسسة، ونخفض المعاليم الموظفة على السلع ذات الأداءات المرتفعة، إلى جانب تحقيق التلاقي تدريجيا بين النظام المعتمد للمؤسسات المصدرة كليا ونظام المؤسسات الموجهة إلى السوق الداخلية.
إننا نريد لتونس أن تصبح مركزا عالميا للتجارة والخدمات، تعزيزا لقدراتها على الاندماج في محيطها الدولي وتمكينا لها في الأسواق العالمية.
لذلك فقد جعلنا من المحاور الأساسية لبرنامجنا الانتخابي تطوير الجهازين المصرفي والمالي وتوجيه إصلاحاتنا النقدية نحو التحرير الكامل للدينار.
وعزمنا راسخ على الارتقاء بالخدمات المصرفية إلى مستوى المقاييس العالمية، وسنعمل على إرساء البنك الإلكتروني، وتعزيز الحوافز والآليات للرفع من عدد المؤسسات المدرجة بالبورصة.
وسنولي الاهتمام كذلك، في إطار التقدم نحو التحرير الكامل للدينار، إلى أصحاب المهن الحرة ومصدري الخدمات المختلفة.
وتكريسا لرعايتنا الدائمة للفئات الأقل دخلا في إطار خيارنا التضامني، سنرفع مستوى السقف القابل للطرح من قاعدة الأداء على الأجر بالنسبة لأصحاب الأجر الأدنى المضمون.
أيها المواطنون،
أيتها المواطنات،
إن من مقومات الحداثة وبناء الاقتصاد الجديد بنية أساسية متطورة في جميع المجالات. وقد أولينا العناية لهذا القطاع منذ التغيير بما حقق نقلة نوعية كبرى للاقتصاد الوطني وللنشاط الاجتماعي.
وعزمنا راسخ على فتح آفاق جديدة لتونس في هذا الميدان حتى نهيئها للعقود القادمة، ونعدها خير إعداد لمقتضيات التقدم وللتحولات المرتقبة لبنيتها الاجتماعية والسكانية والعمرانية، ونحفظ سلامة بيئتها ونعزز شروط جودة الحياة لأجيالنا المقبلة.
وإن من واجبنا نحو تلك الأجيال أن نهيء الأرضية اللازمة لبنية أساسية حديثة المقومات، متينة الهيكلة، سواء من خلال التهيئة العمرانية، أو تعزيز شبكة الطرقات والطرقات السيارة وتأمين سيولة التنقل بين الجهات والمدن وداخلها.
وسيكون من بين الملفات الاستراتيجية المطروحة للدرس خلال الفترة القادمة، وضع خطة واضحة المعالم، لتطوير شبكة الطرقات السيارة والطرقات السريعة لتواكب مقتضيات الاقتصاد الجديد على المدى المتوسط والطويل.
وإذ عملنا منذ التغيير على تعزيز أمننا الغذائي والارتقاء بأوضاع الفلاحين، وحققنا مكاسب هامة وإنجازات كبرى في هذا المجال، فإن عزمنا اليوم راسخ على مزيد تحديث هذا القطاع ورفع إنتاجيته وقدرته التنافسية بما يواصل تحسين دخل الفلاحين ويدعم دور الفلاحة في مسيرة التنمية ؛ أولوياتنا في ذلك كسب رهانات كبرى، أولها رهان تحلية المياه والتكنولوجيا اللازمة له،
وثانيها رهان التحكم في تقنيات إنتاج البذور والمشاتل وتنويعها وحماية الرصيد الوطني الزراعي والحيواني،
وثالثها رهان الجودة وإدماج التصرف العصري في هذا القطاع،
ورابعها اقتحام الميادين الجديدة مثل الفلاحة البيولوجية والارتقاء بالصيد البحري وتربية الأسماك إلى المستوى المنشود، وحماية أديم الأرض من الانجراف والتقدم في مقاومة التصحر واستغلال الطاقات الكامنة في الصحراء.
وسنعمل من خلال الهيكلة الجديدة للإنتاج الزراعي على تحقيق نسبة 50% من ذلك الإنتاج عن طريق المناطق السقوية، وعلى إنشاء جيل جديد من السدود الكبرى وإنجاز شبكة للربط بين السدود، إلى جانب تعميم تقنيات الاقتصاد في الماء ومضاعفة الإنتاج البيولوجي بنسبة 200% في أفق سنة 2009 والعمل على تحقيق مستوى أعلى لتنافسية منتوجاتنا الفلاحية.
أيها المواطنون،
أيتها المواطنات،
لقد ركزنا الاهتمام منذ بداية التغيير على إصلاح الإدارة وتطوير تشريعاتها وتبسيط إجراءاتها وتراتيبها، وطورنا خدماتها وحرصنا على تقريبها من المواطن، لتكون في خدمته وفي خدمة العمل التنموي.
ونحن مقرون العزم على مواصلة هذا الجهد لتواكب الإدارة الاقتصاد الجديد وتحقق الانخراط في مجتمع المعرفة وعالم شبكات الاتصال والمعلومات.
إننا في عصر الخدمات السريعة والتفاعل الناجع مع المستفيدين منها، وحتى تزول ظاهرة الانتظار الطويل في بعض الخدمات الإدارية، سنضبط للإدارة آجالا محددة للإجابة على طلبات المواطنين، وسنعمم خدمات الموفق الإداري على جميع الولايات مع سنة 2009. وسنوسع مجال الخدمات الإدارية المقدمة عن بعد للمواطنين والمؤسسات. وقد رسمنا في برنامجنا هدفا تعويض 90% من التراخيص بكراسات الشروط قبل موفى سنة 2009.
إن من خياراتنا الأساسية رفع مستوى عيش المواطن والحفاظ على النسبة العالية للفئات المتوسطة في مجتمعنا ودعم مقومات الارتقاء الاجتماعي للجميع.
وهو ما سنواصل العمل على تعزيزه حتى تكون مؤشرات نوعية الحياة في تونس في مستوى المجتمعات المتقدمة. لذلك سنحدث تمويلات جديدة ليكون السكن في متناول متوسطي الدخل.
وتعزيزا لتلك الآليات فقد أقررنا في برنامجنا توسيع دائرة المستفيدين من تمويل المساكن الاجتماعية إلى كل الذين لا يتجاوز أجرهم سقف ألف دينار في الشهر.
كما سنعمل على بلوغ نسبة تغطية اجتماعية فعلية بـ 95% سنة 2009 وتحقيق تغطية صحية أفضل وجودة أرفع للخدمات الصحية.
وتكريسا لحرصنا على الرفع المستمر للقدرة الشرائية للمواطن، وعلى أن يحتل الاقتصاد الوطني بمختلف مؤشراته موقعا أكثر تقدما في جملة بلدان العالم، فقد رسمنا هدفا جديدا للمرحلة القادمة هو تحقيق معدل للدخل الفردي بـ 5.000 دينار سنة 2009.
وسنعمل بالتوازي، على ضمان حماية أكبر للمستهلك وتحقيق التوافق بين مقاييس السلامة الصحية الوطنية والمواصفات الأوروبية تعزيزا لتنافسية الاقتصاد الوطني.
وستشهد الفترة القادمة مزيد الارتقاء بمدننا، لتكون مدنا للقرن الجديد، مدنا لمجتمع متقدم، مدنا للعمل ولصناعات الذكاء ومجتمع المعرفة، مدنا للرفاه والنشاط الثقافي والرياضي، مدنا جميلة نظيفة. وسنحرص من خلال البرامج الموجهة إلى العناية بالقرى والأرياف، على أن يكون إطار جودة الحياة شاملا متكاملا ينتفع بمقوماته كل المتساكنين ويؤسس للتنمية المستديمة.
إننا نعمل من أجل جودة الحياة وبيئة سليمة، ونحن حريصون على الاستعمال الأمثل للفضاء الترابي وعلى نشر ثقافة عمرانية وبيئية تتعزز بها مقومات العيش الكريم وجمالية المدن وسلامة المحيط معولين في ذلك على دفع الشراكة مع مكونات المجتمع المدني.
أيها المواطنون،
أيتها المواطنات،
إن التضامن في رؤيتنا قيمة حضارية وأخلاقية، وهو في ذات الوقت رباط اجتماعي.
وقد عملنا على إذكاء الحس التضامني لدى التونسيين والتونسيات من خلال مبادراتنا المتتالية التي شملت مناطق الظل بإحداث صندوق 26-26. وعززنا نسق بعث المشاريع الصغرى ومواطن الرزق بإنشاء البنك التونسي للتضامن وإرساء نظام القروض الصغيرة. ودعمنا قدرات البلاد على التشغيل من خلال صندوق 21-21.
وهي آليات تشكل اليوم مع بقية الهياكل القائمة نسيجا تضامنيا وطنيا متكامل العناصر متنوع التدخلات. وأرسينا بالتقاليد الجديدة ثقافة تضامنية هي اليوم أحسن سند لجهود الدولة.
وسنواصل السير على هذا النهج لتكون الفترة المقبلة فترة تفعيل الشراكة مع المجتمع المدني في هذا المجال، ولتدعيم دور التضامن في تحقيق الاستقرار وتثبيت أركان التنمية الشاملة والمستديمة.
وتعزيزا لمنظومة المساعدات والآليات والبرامج المختلفة للإحاطة بالمسرحين من العمل، وتسهيلا لإعادة إدماجهم في الحياة الاقتصادية، فقد أقررنا في برنامجنا إحداث صنف جديد من العقود للإحاطة بالمسرحين من الشغل لأسباب اقتصادية، هو عقد إعادة الإدماج في الحياة المهنية.
وسنعمل على الارتقاء بالفئات ذات الحاجيات الخصوصية، من طور المساعدة إلى طور الإدماج بإقرار قانون توجيهي جديد للنهوض بالأشخاص حاملي الإعاقة وحمايتهم ومساعدتهم على الاندماج في الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
أيها المواطنون،
أيتها المواطنات،
إن المرأة في تونس اليوم شريك كامل في المجتمع، متكافئة مع الرجل، تتحمل المسؤوليات في الحياة العامة وتسهم في العمل التنموي وفي مختلف مجالات الإبداع والابتكار والإنتاج الثقافي ونشر قيمنا الحضارية.
وإذ سجل حضورها السياسي نسبا متميزة، حيث بلغت 11.5% في مجلس النواب و20.6% في المجالس البلدية، 16% في المجلس الاقتصادي والاجتماعي، فهي اليوم حاضرة في كل الميادين المهنية والاجتماعية، بما يجسم بكل وضوح مدى تقدم أوضاع المرأة التونسية، حيث ناهزت نسبتها 50% في التعليم الأساسي والثانوي و42% في المهن الطبية و40% من مدرسي التعليم العالي. وهي تمثل اليوم نسبة 32% من المهندسين و31% من المحامين و27% من القضاة.
وسنعمل على مواصلة تعزيز حضورها في كافة قطاعات الاقتصاد ومجالات الحياة العامة، وكذلك في الوظائف العليا ومواقع القرار والمسؤولية.
وحتى نمكن المرأة من فرص أكبر للتوفيق بين الحياة الأسرية والحياة المهنية، أقررنا للأم في برنامجنا الانتخابي نظاما خاصا يتيح لها، حسب رغبتها، العمل نصف الوقت مقابل الثلثين من الأجر، مع الحفاظ على حقوقها كاملة في التقاعد والحيطة الاجتماعية. إلى جانب تعزيز الظروف المحيطة بنشاط المرأة وبحياتها العائلية في مختلف أوجهها.
وإذ أولينا الشباب مكانة رفيعة، فإننا نؤمن بأن بناء المستقبل أساسه الشباب. وحرصنا دائما على الإصغاء إلى مشاغله. ونظمنا الاستشارات الوطنية الدورية الخاصة به.
وجعلنا الشباب محورا أساسيا لكل سياساتنا. ودعمنا مشاركته في الحياة العامة وحضوره في مؤسسات الجمهورية ومختلف الهياكل وفي نسيج المجتمع المدني.
إنه خيارنا وسنواصل العمل على نفس النهج تحسينا لأوضاع الشباب في كل المجالات، وسنركز العمل على إنجاز بنية أساسية متجددة للشباب في كل الولايات.
لذلك أدرجنا في برنامجنا الترفيع في ميزانية الثقافة والشباب والترفيه لتبلغ 1.5% من ميزانية الدولة سنة 2009 وتخصيص 50% من الزيادة لتمويل مشاريع البنية الأساسية المخصصة لأنشطة الشباب.
وحتى لا يبقى الشباب من حاملي الشهادات من مختلف مراحل التعليم العالي والمراكز القطاعية للتكوين المهني بعد التخرج وأثناء البحث عن شغل أو الإعداد لبعث مشروع بدون تغطية صحية، أقررنا تغطيةً صحية لحاملي الشهادات لمدة سنة بعد التخرج.
إن التونسيين بالخارج تواصل حضاري لتونس وسند للتنمية، وقد أوليناهم كل العناية، نتابع مشاغلهم وأوضاعهم ونعمل على حماية حقوقهم في بلدان الإقامة وندعمها في التشريع وفي الممارسة، ونطور باستمرار قنوات التواصل معهم وبرامج تدريس الثقافة الوطنية واللغة العربية الموجهة إليهم، ونشجع نشاطهم الجمعياتي ونتفاعل مع إنجازاتهم وأعمالهم الإبداعية وإنتاجهم الثقافي.
وتونس تنتظر الكثير من أبنائها وبناتها في الخارج ليكونوا خير سند لتنميتها وأفضل صورة لها. وإننا نعتبرهم جسرا حضاريا يمتد من أرض الوطن إلى كل بلد من بلدان الإقامة. وهو ما نعمل باستمرار على دعمه ونواصل تعزيزه في كل مرحلة لأنه من ثوابت التغيير ومن جوهر خياراتنا.
لذلك فإننا نعلن عزمنا على تمثيل جاليتنا بالخارج في مجلس المستشارين، تفعيلا لمشاركتها في الاضطلاع بالشأن العام إلى جانب بقية مكونات شعبنا وفئاته.
وفي الفترة القادمة التي ستشهد اكتمال مسار الشراكة مع أوروبا، سنعمل حتى يكون التونسيون بالخارج جزءا لا يتجزأ من مقاربتنا للشراكة مع الاتحاد الأوروبي، ليكون تطور مسارها في كل مرحلة نقلة إيجابية لأوضاعهم.
أيها المواطنون،
أيتها المواطنات،
إن مبدأنا دائما هو أن الثقافة سند للتغيير. وإيماننا راسخ بأن لا تقدم بدون ثقافة قوية الجذور في تاريخنا الحضاري تدعم الهوية ومقومات الشخصية التونسية، قادرة على الإضافة والإسهام في المخزون الإنساني، وعلى الحضور الفاعل في محيط تفاقمت فيه مخاطر الغزو الثقافي وأصبحت فيه الثقافة عنصرا من عناصر قوة الشعوب.
ومثلما نسعى باستمرار ومثابرة إلى دفع الإبداع والتجديد، فإن من ثوابتنا وخياراتنا الجوهرية تعزيز أركان ثقافتنا الوطنية وفي مقدمتها ديننا الإسلامي الحنيف وقيمه السامية، قيم الاعتدال والتسامح والتضامن والتفتح والاجتهاد.
وقد جعلنا من حوار الحضارات والأديان محورا أساسيا للمشهد الثقافي التونسي، وتوجها ثابتا في علاقاتنا الثقافية مع بقية الشعوب، وفي عملنا على الساحة الدولية. كما عملنا من خلال الإصلاحات والمبادرات التي اعتمدناها منذ التغيير على حماية ديننا من كل تحريف وعلى نشر تعاليمه الزكية وروح الاعتدال وعقلية الاجتهاد التي تميزه.
وأعدنا الاعتبار إلى بيوت الله وإلى القائمين عليها، حريصين في ذلك على احترام تقاليدنا وقيمنا النبيلة، نبذا لكافة مظاهر الغلو والتعصب بما في ذلك اللباس الآتي من خارج البلاد تقليدا وعنوانا سياسيا للتطرف.
وقد عملنا في الفترة الماضية على تفعيل قرارنا بالترفيع في ميزانية الثقافة إلى1% من ميزانية الدولة. وطورنا التشريعات القائمة للتشجيع على الإنتاج والاستثمار في الصناعات الثقافية وحماية حقوق التأليف والنشر. وعززنا عنايتنا بالمثقفين والمبدعين وظروف نشاطهم وتغطيتهم الاجتماعية.
وسنعمل في الفترة القادمة على السمو مراتب أخرى بثقافتنا الوطنية. وسنولي عناية أكبر بالثقافة الرقمية كوجه من وجوه بناء مجتمع المعرفة يسند الأشكال الجديدة للإنتاج الثقافي.
وإذ أقررنا في برنامجنا الترفيع مجددا في اعتمادات ميزانية الثقافة والشباب والترفيه، لتبلغ 1.5% من ميزانية الدولة سنة 2009، فإننا سنخصص 50% من الزيادة لتمويل المشاريع الثقافية في الجهات.
وسنعمل على تعزيز حماية التراث والمعالم التاريخية وعلى فتح أفق أوسع للصناعات الثقافية، من خلال برنامج خاص للتكوين في ميدان بعث المؤسسات لخريجي معاهد الفنون، وتشجيع الاستثمار الخارجي والشراكة في ميادين الإنتاج الثقافي والسياحة الثقافية.
إننا حرصنا منذ التغيير على تكريس مبادئ الاحترام المتبادل والتفاهم والاعتدال والتعاون والتضامن في علاقاتنا الخارجية، على المستويين الثنائي ومتعدد الأطراف، ومن خلال إسهامات تونس في مختلف الهيئات والمنظمات الدولية الإقليمية والأممية، متمسكين بسيادتنا الوطنية وبانتمائنا الحضاري ومقومات الشخصية الوطنية التونسية، الراسخة في محيطها المغاربي والعربي والإسلامي والإفريقي والمتوسطي.
وعزمنا راسخ على حشد الجهود لحل أمهات القضايا العربية وفي مقدمتها قضية الشرق الأوسط.
ونحن حريصون على دعم كل ما يخدم العمل العربي المشترك ويدفع مسيرة الإصلاح والتحديث ويتقدم بأوضاع المرأة في وطننا العربي.
وسنعمل على مواصلة تعزيز مسار الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لتحقيق النقلة النوعية المنشودة على درب الاندماج في محيطنا الخارجي، بما يخدم مصالح تونس ويفتح آفاقا أوسع أمام أجيالها القادمة.
وإرادتنا قوية لدعم التعاون مع البلدان الإفريقية الشقيقة على الصعيد الثنائي، وفي إطار التعاون الثلاثي، ومن خلال آليات الاتحاد الإفريقي وبرامجه وكذلك لدفع التعاون مع دول قارتي أمريكا و آسيا وتوسيع فاقه.
وإننا سنواصل الجهود لخدمة السلم والاستقرار في منطقتنا وفي العالم، ودعم المساعي الأممية في كل المجالات، والإسهام الفاعل في خدمة السلام والتعاون مع مختلف الهيئات والمنظمات الاقتصادية والمالية العالمية، وتعزيز دور المنظمات غير الحكومية في خدمة الإنسانية في مختلف المجالات.
أيها المواطنون،
أيتها المواطنات،
لقد جعلنا من الإصلاح خيارا ثابتا منذ فجر التغيير، وانطلقنا في ذلك من إيمان راسخ بمبادئ الديمقراطية والتعددية، وبالحريات وحقوق الإنسان والتضامن والتسامح والاعتدال والوسطية، إيمان جذوره ثابتة في مقومات شخصيتنا الوطنية وفي تجربة بلادنا التاريخية.
ولئن كان فكرنا الإصلاحي تونسيا وأرضيته متكاملة العناصر، فإننا استفدنا من تجارب غيرنا وأخذنا العبرة من نكسات بعضها. وكنا ثابتين على خيارنا في كل مرحلة وجسمناه في كل إصلاحاتنا، وآخرها الإصلاح الدستوري الذي عرضناه على الاستفتاء وأجمع عليه إطارا للبناء الجمهوري والمسار الديمقراطي المستقبلي ومرجعا للقيم التي نؤمن بها جميعا.
وقد توالت مبادراتنا منذ التغيير سواء بتنقيح الدستور أو تعديل المجلة الانتخابية ومختلف التشريعات المنظمة للحياة السياسية، حتى نكرس خيارنا الديمقراطي في الواقع اليومي ونرسخ التعددية في مؤسساتنا الدستورية، وشجعنا الأحزاب على المشاركة ودعمناها، ودعمنا صحافتها، ومكناها من الحصول على مقاعد في مجلس النواب، وهو ما لم يكن متاحا لولا مبادراتنا.
ونحن اليوم نتقدم بثبات ولن نتوقف، وستكون الفترة القادمة مرحلة جديدة لخطوات أخرى سنعمل فيها على تعزيز المكاسب الديمقراطية وإثراء الإنجازات من خلال دعم إسهام الأحزاب السياسية في التقدم بالمسار التعددي.
ونحن عازمون على إعطاء دفع جديد للديمقراطية المحلية، وتعزيز سبل مشاركة المواطن في شؤون جهته. وسنعمل على إتاحة مشاركة كافة المنظمات الوطنية في دورات المجالس الجهوية في إطار ما يخوله القانون للولاة في هذا المجال.
كما سنعمل من خلال هذا البرنامج على توسيع صلاحيات الجهات في ضبط الأولويات التنموية وتصور البرامج الجهوية، خاصة في مجالات التشغيل ودفع المبادرة والرفع من نسق إحداث المؤسسات فيها.
وقد أقررنا وضع جيل أول من عقود البرامج القطاعية بين الدولة والمجالس الجهوية، بالإضافة إلى إحالة موارد من الميزانية إلى الجهات للاضطلاع بمهامها الجديدة، كما أقررنا برنامجا خصوصيا لحفز الإطارات المركزية والكفاءات العالية للعمل في الجهات.
إننا سنواصل العمل من أجل تشجيع التعددية في المشهد الإعلامي، بمزيد دعم صحافة الأحزاب وتوسيع الفضاءات الحوارية، ودفع المبادرة الخاصة في قطاع الإعلام، وتحسين ظروف العمل الصحفي وأوضاع الصحفيين في ضوء تطور هذا القطاع.
كما سنعمل على تحقيق نقلة جديدة للمجتمع المدني عبر مزيد الدفع للحياة الجمعياتية وتسهيلات أكبر أمام النسيج الجمعياتي.
أيها المواطنون،
أيتها المواطنات،
لتونس الحداثة نعمل ونثابر، وموعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 24 أكتوبر الجاري موعد نجدد فيه العزم على مواصلة الانجاز ودعم المكاسب، على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
في ظل مبادئ الجمهورية وقيمها، نعمق الممارسة الديمقراطية ونزيد التعددية رسوخا في مختلف أوجه العمل السياسي، ونعزز حقوق الإنسان، ونوسع دائرة الحريات العامة والفردية، لكسب رهانات القرن الجديد ورفع تحديات العولمة وتحقيق الإضافة إلى النجاحات والنتائج التي أحرزتها بلادنا في كل المستويات.
نجدد العهد لمواصلة مسيرة بلد صاعد يتقدم،
إننا نصغي إلى شعبنا، ونتجاوب مع طموحاته، وبرنامجنا لتونس الغد استجابة لمشاغله ولحاجيات مختلف فئاته. وبمحاوره الواحد والعشرين نصوغ عقدا للفعل والإنجاز ونؤسس للمستقبل، ونجدد العهد مع تونس، مع عزتها ومناعتها، ومع الغد الأفضل لأجيالها القادمة،
مع جميع أبنائها وبناتها،
جميعا من أجل تونس،
عاشت تونس عزيزة منيعة أبد الدهر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.