
لقد نزّلت تونس، منذ تغيير 1987، وهي بلد ذو تقاليد إصلاحية طويلة، حماية حقوق الإنسان والنهوض بها ضمن صدارة اهتماماتها . واتخذت تحت قيادة الرئيس زين العابدين بن علي، سلسلة من المبادرات الرامية إلى النهوض بحقوق الإنسان، السياسية منها والمدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
حماية الحقوق المدنية
وأولت تونس عناية خاصة لحماية حقوق الإنسان المدنية . ولهذه الغاية، قامت بالعديد من الإصلاحات لتوفير الإطار القانوني لصيانة هذه الحقوق وحمايتها.
كما صادقت بدون تحفّظ على اتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1988 ، المناهضة للتعذيب وغيره من أشكال المعاملة أو العقاب القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وفي إثر ذلك، تمّ تعديل المجلة الجنائية بإضافة أحكام تحدّد جريمة التعذيب.
وإضافة إلى ذلك، تمّ إلغاء الحكم بالأشغال الشاقة سنة 1989 . وفي عام 1995، ألغيت الأحكام بالعمل الإصلاحي والخدمة المدنية . وتمّ تعديل النظام القانوني للإيقاف التحفّظي والاعتقال عبر إصلاحات أدخلت على مجلّة الإجراءات الجزائية (1987 - 1993 - 1999).
وتمّ إرساء إمكانية الاستعاضة عن الحكم بالسجن بالخدمة لفائدة المصلحة العامة، وذلك من خلال تنقيحات وتعديلات أدخلت على المجلّة الجنائية سنة 1999 .
وجاء قانون 14 ماي 2001 متضمنا أحكاما جديدة تضمن حقوق المساجين وتحدّد واجباتهم، وفق المقاييس الدولية المتعلقة بمعاملة المعتقلين، بما يحفظ كرامتهم وإنسانيتهم .
وجاء قانون أكتوبر 2002، المتعلق بالتعويض للمساجين والمحكوم عليهم الذين تثبت فيما بعد براءتهم، متضمّنا لأول مرة في تاريخ التشريع التونسي، إمكانية مطالبة الدولة بدفع تعويضات لكلّ من يُحكم عليه بالسجن ثم تُبَرِّئُ المحكمة ساحته فيما بعد .
وتمّ اتخاذ مبادرة أخرى هامة تتمثّل في نقل الإشراف على المؤسسات السجنية وإداراتها من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل (جانفي 2001).
الحرّية الدينيّة :
لقد ضمن دستور 1959 حرّية المعتقد والعبادة . ونصّ قانون 3 ماي 1998 المتعلّق بالمساجد على أنّ التعبّد في المساجد حرّ للأفراد والجماعة وأنّ الدولة تتولّى ضمان حرمة المساجد واحترامها. وتحمي الدولة أماكن العبادة لجميع الديانات كما تضمن حقّ الأقليات الدينيّة في ممارسة طقوسهم الخاصة بهم.
ويمنع القانون التونسي التحريض على الكراهية الدينية أو العنصرية . ويعمل النظام التربوي ـ حسب ما نصّ عليه قانون 23 جويلية 2002 المتعلّق بالتربية والتعليم ـ على النهوض بقيم التسامح الديني والعرقي وبالمساواة بين الجنسين.
الحريّة النقابية :
يتمتّع العمّال التونسيون بالحق في تكوين نقابات والانخراط في النشاط النقابي بما في ذلك حقّ التوقّف عن العمل وحق الإضراب . ويشارك الاتحاد العام التونسي للشغل في دورات المفاوضات الاجتماعية مع منظمة أرباب العمل والحكومة . وقد ساهمت الاتفاقيات المبرمة بشأن الأجور والمكافآت في تأمين مناخ يتّسم بالسّلم الاجتماعية في البلاد على امتداد الأعوام الستة عشر الماضية . ويصدر الاتحاد العام التونسي للشغل صحيفته الخاصّة الشعب، كما يساهم ممثّلوه في المنابر الحوارية عبر الإذاعة والتلفزة حيث يعبّرون عن آرائهم .
الحق في الحرية والديمقراطية :
إضافة إلى الإصلاحات المكرّسة لاستقلال القضاء، مثل إلغاء محكمة أمن الدّولة ومنصب الوكيل العام للجمهورية سنة 1987، تمّ إدخال إصلاحات دستورية وقانونية تهدف إلى النهوض بالحرّيات الأساسية .
ومن بين هذه الإصلاحات نذكر القانون الدستوري المؤرخ في 27 اكتوبر1997 الذي يحدّد دور الأحزاب السياسيّة في الحياة العامة ويوسّع مجال اللجوء إلى الاستفتاء فيما يتعلّق بالمسائل المصيريّة التي تهمّ مستقبل البلاد .
وقد كرّست التعديلات المدخلة على الفصل 40 من الدستور تعدّدية الترشحات لرئاسة الجمهورية . وفي أكتوبر 1999 شهدت تونس، لأول مرّة في تاريخها، انتخابات رئاسيّة تعدّدية تنافس فيها الرئيس المباشر مع مترشحين آخرين لمنصب الرئاسة .
ووفّرت التنقيحات التي أُدْخلتْ في جويلية 2003 على المجلّة الانتخابية مزيدا من الضمانات القانونية للناخبين، كما أرست نظام المراجعة المتواصلة للقائمات الانتخابية وعزّزت شفافية العملية الانتخابية في كلّ مراحلها .
وتتجلّى التعدّدية الديمقراطية من خلال تواجد ستة أحزاب سياسيّة في مجلس النواب . كما تنشط في الجملة 8 أحزاب سياسيّة في البلاد، وهي تمارس حقوقها في تنظيم الأنشطة وعقد الاجتماعات والتعبير عن آرائها وإصدار صُحفها الخاصّة بها . ولهذه الأحزاب السياسيّة من يمثّلها بالمجالس المحلّية والجهويّة والوطنية . ولها كذلك الحقّ في الحصول على إعانات مالية من الدولة لتمويل أنشطتها وإصدار صحفها .
وينصّ القانون الدستوري الصادر في 27 اكتوبر 1997 على أن تحترم الأحزاب السياسية سيادة الشعب وقيم الجمهورية وحقوق الإنسان والمبادئ المتعلقة بالأحوال الشخصية، ويكرّس القانون نفسُه التزام الأحزاب السياسية بنبذ كل أشكال العنف والتطرّف والعنصرية وكل أوجه التمييز .
ولا يسمح الدستور التونسي باستغلال الدين أو العنصر لأغراض سياسيّة، وفعلا فقد نصّ الفصل الثامن منه على أنّه لا يجوز لأي حزب أن يستند أساسا في مستوى مبادئه وأهدافه أو نشاطه أو برامجه على دين أو لغة أو عنصر أو جنس أو جهة .