خطاب الرئيس زين العابدين بن علي بمناسبة أداء اليمين الدستورية في مجلس النواب

باردو، 17 نوفمبر 2004

بسم الله الرحمان الرحيم

" أهنئكم خالص التهنئة برئاسة هذا المجلس الموقر و أهنئ كافة أعضائه المحترمين بانتخابهم لهذه الدورة النيابية مقدرا ما ترمز إليه هذه المؤسسة الدستورية من معاني سامية تكرس مبادئ الجمهورية وسيادة الشعب واستقلال إرادته. وهي المبادئ التي أقمنا عليها مشروع الإصلاح والتحديث منذ فجر التحول ذلك المشروع الذي أولينا فيه مكانة مركزية للسلطة التشريعية وحرصنا من خلاله على إعادة الاعتبار إليها وتطويرها حتى تعكس طموحات شعبنا إلى مزيد الرفعة والتقدم وتعبر خير تعبير عن نضجه ووعيه بالتحديات والرهانات المطروحة أمامه في كل مرحلة من مراحل مسيرته .

كما حرصنا من خلال مبادراتنا الإصلاحية المتوالية سواء بتعديل الدستور أو المجلة الانتخابية وغيرها من التشريعات المنظمة للحياة العامة والضامنة للحريات على تكريس إرادتنا الراسخة في إرساء الديمقراطية والتعددية في المشهد السياسي الوطني وفي رحاب مجلسكم الموقر وتامين حقوق الإنسان نصا وممارسة وثقافة.

وما كان لهذه التحولات أن تصبح اليوم واقعا ملموسا نتقدم به في كل طور إلى الأفضل لو لا مبادراتنا وإيماننا بتلك المبادئ والقيم.

وإذ جعلنا من بين محاور الإصلاح الدستوري الأخير تعزيز السلطة التشريعية بإحداث مجلس المستشارين فإننا نعلن اليوم عن تنظيم الانتخابات بشأنه قبل موفى جوان 2005.

وسنعمل في إطار الدستور الجديد للبلاد وفي ظل البناء الجمهوري ومبادئه وقيمه على أن تكون هذه المؤسسة الدستورية الجديدة إثراء لمسيرتنا الديمقراطية ودعما ناجعا لمشاركة الجهات والأطراف الاجتماعية والكفاءات في تسيير الشؤون الوطنية وعلى أن تكون الجالية التونسية بالخارج رجالا ونساء ممثلة في هذا المجلس كما جاء في برنامجنا الانتخابي.

إننا دأبنا على تكريس التلازم بين التنمية والديمقراطية وحماية حقوق الإنسان ونحن حريصون على تحقيق التكامل بين مقومات الاستقرار واطراد الرقي والتنمية الشاملة المستديمة من ناحية والتطور الديمقراطي التعددي الذي لا رجعة فيه من ناحية أخرى.

واني أؤكد مجددا بهذه المناسبة إننا نولي تعزيز قدرات الأحزاب السياسية صدارة مشاغلنا بوصفها قوى وطنية لابد أن تنصب جهودها كلها في خدمة المصلحة العليا للبلاد ودعم النظام الجمهوري والعمل من أجل المستقبل الأفضل لتونس في نطاق الولاء لها وحدها والذود عن سيادتها ومناعتها .

فنحن نعتبر أن شعبنا جدير بمكونات سياسية قوية البنية خالصة الروح الوطنية لذلك سنعمل على مزيد دعم الدولة لتلك الأحزاب حتى تمارس دورها ونشاطها في نطاق الاستقلالية واحترام القانون مبدؤنا في ذلك احترام حق الاختلاف والالتزام بالثوابت الوطنية وعلوية الدستور وسيادة القانون باعتبارها واجبات جوهرية بها تترسخ المواطنة وهي الفيصل في التعامل بين كل الأطراف.

وإن على المعارضة النزيهة أن تكون بناءة وتعمل على تقديم بدائل واضحة ومتكاملة حتى يتسنى للشعب الاختيار بين برامج ورؤى تصب كلها في خدمة البلاد وبناء المستقبل ولا مجال في هذه المرحلة الحاسمة للوقوف على الربوة المضاربة بالتشكيك والافتراءات وقد فتحنا باب الحوار للجميع ونحن نصغي لمشاغل شعبنا بكل فئاته ونشاركه اهتماماته اليومية وطموحاته .

كل ذلك في ظل دولة القانون والمؤسسات ونواميسها فالقانون هو الحكم بين الجميع ولا رجعة كما قلنا في خيارنا الديمقراطي التعددي وبالحوار نتوفق إلى أحسن الحلول لكل ما تطرحه الحياة الوطنية من قضايا ومشاغل

إن انطلاق المدة الرئاسية الجديدة وكذلك المدة النيابية هو انطلاق لمرحلة لا شك أنها ستكون حاسمة في بناء تونس الغد بعد انتخابات جرت في ظروف متميزة وحملات انتخابية أبرزت مظاهر السلوك الديمقراطي لشعبنا ونزاهة العملية الانتخابية ومصداقية المنظومة السياسية الوطنية .

وهي مرحلة حاسمة لا باعتبار أبعادها السياسية فحسب بل وكذلك باعتبار التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي شهدتها البلاد على مدى العشريتين السابقتين وما حققته من مكاسب وانجازات وما ستشهده خلال الفترة المقبلة من تغيرات

وقد بينت نتائج التعداد العام الأخير للسكان والسكنى لسنة 2004 أهمية تلك التحولات وإذ يناهز عدد سكان البلاد حاليا عشرة ملايين ساكن فان نسبة النمو الديمغرافي قد تراجعت خلال العشرية الأخيرة إلى معدل 1.21 % سنويا أي إلى أقل من نصف ما كانت عليه في العشرية التي سبقتها

ورافق هذا التغير تزايد في نسبة القاطنين بالمناطق البلدية ليناهز ثلثي السكان مقابل 61 % سنة 1994 واستقطبت فيه عدد من الولايات زيادة بنسب ارفع في سكانها بينما تقلص عدد القاطنين ببعض الولايات الأخرى ونزل متوسط حجم الأسرة التونسية إلى معدل أربعة أشخاص ونصف بعد أن كان يتجاوز خمسة أشخاص .

وإذا ما أضفنا إلى هذه المعطيات أن الحركة الداخلية للسكان بين المدن والولايات شملت خلال السنوات الخمس الأخيرة أكثر من مليون ونصف ساكن لأسباب أهمها العمل والدراسة وتغير الوضع العائلي فان في ذلك مؤشرا قويا على تنامي النشاط الاجتماعي والاقتصادي للبلاد يدعمه ما سجل من تزايد في عدد المساكن حيث بلغت تلك الزيادة 635 ألف مسكن خلال العشرية الماضية أي بنسبة ارتفاع تناهز 3 % سنويا حصلت 81 % منها بالمناطق البلدية وأصبح عدد المساكن يفوق عدد الأسر ب 14 % وهو مؤشر ايجابي نادر الوجود في بلدان العالم .

وقد صاحب تلك التحولات السكانية والحركية التنموية التي شهدتها البلاد تطور لطاقة التشغيل وانخفاض لأول مرة في نسبة البطالة إلى 13.9 % سنة 2004 رغم الزيادة الهامة في عدد طالبي الشغل من فئة 18/59 سنة .

إن هذه التغيرات تحمل دلالات نرصدها بكل اهتمام لاستشراف المستقبل والتعرف على الملامح المرتقبة للبلاد مع أواخر هذه العشرية وما بعدها والاستعداد للتفاعل معها ومع مختلف أبعادها العمرانية والاجتماعية والاقتصادية وكسب الرهانات التي تطرحها حتى نؤمن المستقبل الأفضل لأجيالنا الناشئة .

ويكفي التأمل في التغير الحاصل في الهيكلة العمرية للمجتمع التونسي والتطور غير المسبوق لمؤمل الحياة عند الولادة حيث تقلصت اليوم نسبة الصغار دون الأربع سنوات إلى 8.1 % فقط بعد أن كانت 14.6 % منذ عشر سنوات كما نزلت نسبة الفئة العمرية 5/14 سنة إلى 18.6 % خلال العشرية الماضية بعد أن كانت في مستوى 1ر25 % سنة 1994 وذلك بفضل نجاح سياساتنا في هذا الميدان وهو ما أخذناه في الاعتبار في الإصلاح التربوي الجديد وفي صياغة أهداف منظومتنا التربوية ضمن برامجنا لتونس الغد .

وقد أصبحت الفئة العمرية الوسطى أي 15/59 سنة أكثر اتساعا لتبلغ 64 % بعد أن كانت 53.6 % في بداية نفس الفترة كما أصبحت ارفع كفاءة ومستوى تعليميا مما غير هيكلة سوق الشغل وبنية القوى العاملة وقد رافقها تطور مهم لنسبة البالغين فوق الستين سنة الذين انتقلوا من 6.7 % إلى 9.3 % من السكان

يكفي التأمل في هذه الخصائص في جملتها حتى تبرز الأهمية الإستراتيجية لعديد المحاور مثل التشغيل والسياسة التربوية في مختلف مراحل التعليم ورهان إحداث المؤسسات وتطوير البنية الأساسية والارتقاء بالمدن التونسية والسياسة الصحية والبيئية وغيرها وهي المحاور التي ركزنا عليها برنامجنا الانتخابي برنامجنا لهذه المدة الرئاسية ولتونس الغد والذي أردناه طموحا واقعيا يستشرف التحولات المرتقبة للمجتمع التونسي ولمحيطه .

وإذ تبين المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية بكل وضوح أهمية المكاسب التي تحققت لتونس طوال الفترة الماضية وايجابية النتائج الحاصلة في كل المستويات رغم الصعوبات المناخية والظروف العالمية التي تخللتها فان هذا البرنامج يمثل أرضية جديدة للعمل ويرسم أهدافا تعكس نجاحات الماضي وطموحات المستقبل .

وقد شرعنا في تنفيذه منذ اليوم الأول بعد الانتخابات وعلى ضوئه عدلنا خطوط مشروع ميزانية الدولة وكذلك قانون المالية لسنة 2005 وبناء على خياراته سيتم تدعيم برامج السنتين الأخيرتين من المخطط العاشر للتنمية كما سيكون هذا البرنامج منطلقا أساسيا في صياغة المخطط الموالي .

إن تحقيق تلك الأهداف يتطلب جهد الجميع ومثابرتهم وقد فتحنا المجال أمام كل التونسيين والتونسيات للمشاركة أفرادا وجماعات وأحزابا سياسية ومنظمات وجمعيات وهو ما دعمناه بتوسيع مجال العمل الجهوي . وستشهد الفترة القادمة مزيد الصلاحيات للمجالس الجهوية كما جاء في البرنامج الانتخابي .

إن تونس للجميع ونحن نعمل من اجلها وولاؤنا لها وحدها وان اللحاق بالدول المتقدمة ليس بالهدف اليسير وكل إسهام في تحقيقه مهما كان الموقع والدرجة هو من الوطنية والنضالية . والمرحلة مرحلة عمل ومثابرة لا خيار غير العمل للجميع حتى لا تضيع ذرة من قدرات شعبنا .

إن نظامنا الجمهوري الذي حرصنا باستمرار على تعزيز أركانه وتطويره يؤمن بمؤسساته وقوانينه مشاركة الجميع ويكرس مبدأ التشاور في نطاق احترام الحريات والقيم الديمقراطية .

وإن حرية الرأي والتعبير قيمة راسخة عززناها بمبادراتنا المختلفة وتطوير مجلة الصحافة التي تعتبر من التشريعات المتقدمة .

وإننا سنعمل في الفترة القادمة على مزيد توسيع فضاءات الحوار في المشهد الإعلامي ونعزز دور مكونات المجتمع المدني على اختلافها أحزابا سياسية ومنظمات وجمعيات في التعبير عن آرائها وخياراتها وتقديم مقترحاتها وتصوراتها في نطاق الحرية وفي ظل القانون وأخلاقيات السلوك الديمقراطي .

وما حرصنا الدائم على التقدم بتعددية الإعلام التونسي وفتحه للمبادرة الخاصة وعلى تعزيز أوضاع الصحافيين إلا دعما لتلك التوجهات وهو تمش أكدنا فيه دوما على أخلاقيات المهنة واحترام القانون وخدمة المصالح العليا للبلاد .

إن لكم في هذا المجلس وفي نشاطكم الجهوي واتصالكم بالمواطنين دورا مهما في تعبئة طاقات البلاد وحفز الهمم من أجل تحقيق طموحاتنا كما أن لكم دورا أساسيا في نشر الوعي بالرهانات والتحديات التي تنتظرنا بمختلف أبعادها فانتم نواب الشعب الذي انتخبكم لتضعوا مصلحته فوق كل اعتبار وما تنوع عائلاتكم السياسية إلا إثراء للحوار في رحاب هذا المجلس الموقر لدعم المكاسب وتعزيز الانجازات . إننا نريدها مرحلة لمزيد العمل والمثابرة فركب التطور لا يتوقف ولا مكان فيه للمتقاعسين.

وإن الارتقاء إلى المرتبة التي يطمح إليها شعبنا من التقدم يجعل منها مرحلة دقيقة ولا خيار لنا غير العمل على النجاح في تكريس الأهداف التي رسمناها .

ومما يعزز تفاؤلنا بالمستقبل ما يميز اليوم شعبنا من قدرات في مقدمتها الطاقات الشبابية الخلاقة. فالمجتمع التونسي اليوم بصدد التخلص التدريجي من ظاهرة الأمية التي ورثها عن العقود السابقة فقد نزلت نسبتها بتسع نقاط في السنوات العشر الماضية ونحن نعمل على ان تكون تلك النسبة برقم واحد مع نهاية هذه المدة الرئاسية. وهو مجتمع تضاعفت فيه نسبة ذوي المستوى التعليمي العالي في عشر سنوات لتناهز اليوم 8 % ومن المرتقب أن تبلغ هذه النسبة 14.6 % في السنوات الخمس القادمة من العدد الجملي للسكان.

وإذ نلمس بكل وضوح في شباب تونس اليوم حماسا والتزاما كبيرين وطاقات جديدة وإقبالا على العلوم والمعارف والتقنيات الحديثة ووعيا متزايدا بتحديات المستقبل ونضجا يؤكد تعلقهم بقيم المبادرة والتعويل على الذات وحرصهم على البحث والاستنباط فإننا نرى في هذه الأجيال الناشئة صورة مشرقة لتونس الغد تلك الصورة التي نعمل على نحتها والتي من أجلها وضعنا برنامجنا بما يحمله من طموحات يؤيدها هذا الواقع الايجابي والتحولات التي أحدثتها الفترة الماضية من التغيير والإصلاح في بلادنا.

ولابد ونحن نشير إلى المستقبل أن نعرب عن كبير الاعتزاز بالمرأة التونسية التي حققنا مساواتها مع الرجل ونعمل اليوم من خلال البرنامج على تكريس شراكتها معه في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتوسيع نطاقها بعد أن كرسنا حقوقها في مختلف التشريعات ودفعنا حضورها في المؤسسات الدستورية وغيرها من الهياكل من خلال مبادراتنا المتتالية.

وإذ أكدنا حرصنا على مواصلة هذا التوجه فإننا سنعمل خلال الفترة المقبلة على تكريس ما تأمل المرأة التونسية تحقيقه خلالها وذلك بتمكينها من نسبة 30 % من مواقع القرار والمسؤولية مع موفى 2009.

إن المرأة التونسية في صدارة القوى الحية بالبلاد وبالوضع المتميز الذي تحتله في تونس التغيير وفي المحيط الحضاري الذي تنتمي إليه فإنها تمثل ضمانا أساسيا من ضمانات بناء المستقبل لا فقط لان المرأة نصف المجتمع وبقاؤها خارج حركة التاريخ وحركية التنمية شلل اجتماعي يعوق التقدم بل لأنها أيضا امرأة متعلمة مقتدرة وعاملة مبادرة ومبدعة منخرطة في الحداثة متأصلة في هويتنا الوطنية ومقومات الشخصية التونسية

فالمرأة بهذا الوضع وبهذا الوعي والنضج من مقومات الحداثة والاعتدال وتوازن المجتمع وتماسكه لذلك اعتبرناها دائما ركنا من أركان الإصلاح الذي جاء به التغيير .

ومن أجل تونس نحن نعمل على توظيف كل إمكانات شعبنا وطاقاته ونفتح المجال للجميع للعمل والاجتهاد وهي روح الجمهورية ومبادئها. ولاشك أنكم تدركون أننا لم ندخر جهدا لغرس كل ما يخدم الوفاق والتماسك في وطننا وهو ما مكننا من خلال سياساتنا الاجتماعية والتشاور المستمر بين الأطراف الاجتماعيين والمنهج التعاقدي الذي لم ينقطع من تحقيق أفضل النتائج بما يخدم مصالح الجميع ويكرس الأهداف الوطنية .

وهو ما دعمناه بخيارنا التضامني الذي لم يقتصر على فك العزلة على مناطق الظل وتحسين ظروف العيش ومسالك الرزق للفئات الخصوصية المختلفة بل تجاوزه إلى مجالات التشغيل والإدماج المهني وبعث المشاريع الصغرى ليكون آلية أساسية في الحركة التنموية ومصدرا من مصادر الثروة الاقتصادية الوطنية .

وقد أحكمنا الترابط والتكامل والتلازم بين كل تلك المكونات لسياسة الإصلاح من ناحية وبين حماية حقوق الإنسان والحريات ونشر ثقافتها وتطوير آلياتها من ناحية أخرى. وجعلنا من القيم الإنسانية منطلقا لكل ما بادرنا به وشملنا بها كل التونسيين والتونسيات دون إقصاء لأي طرف ولا حاجة إلى أن اعدد الإصلاحات والمبادرات في هذا المجال والتي أرسيناها بإرادة ثابتة وعزم متواصل.

وإني أشير بكل وضوح إلى أنه ليس لدينا سجناء رأي أو سجناء سياسيون والعمل السياسي حر ينظمه الدستور الذي يمنع قيام أي حزب على أساس الدين أو العرق أو اللغة. إنها ثوابت نظامنا الجمهوري ومبادئ العمل الوطني السليم وقد عملنا عند ممارسة صلاحياتنا الدستورية لإسداء العفو أو السراح الشرطي على عدم التمييز بين مواطن وآخر إلا بما يستحق من معاملة إنسانية تراعي حقوقه احتراما لمبدأ تساوي الجميع أمام القانون وأمام العدالة .

والقانون يبقى هو المرجع لتطبيق شروط العفو واحترام السراح الشرطي لكل من وقع تحت طائلة الحق العام .

ستتناولون خلال مدتكم النيابية القادمة عديد المشاغل والقضايا الوطنية وستناقشون ميزانية الدولة ومخططات التنمية وبرامجها في ضؤء الأهداف المرسومة للبلاد والطموحات التي اجمع شعبنا على العمل من أجلها .

ولا بد أن نضع نصب أعيننا في كل ما نقوم به من عمل ونطرحه من توجهات مكونات الصورة التي نريدها لتونس الغد تونس التي نريدها بلدا حديثا بكل أبعاد الحداثة تونس التي نريدها بمدن جميلة وبيئة سليمة وتنمية مستديمة وبنية أساسية متينة تونس التي قلنا إننا نعمل على أن تكون مركزا عالميا للتجارة والخدمات ونقطة استقطاب للاستثمار العالمي تونس التي نريد منظومتها التربوية وإنتاجها الصناعي و الفلاحي و الخدماتي بمواصفات دولية قادرة على المنافسة. فكل الأهداف التي رسمناها مهما كانت جزئياتها العملية هي في غاياتها أهداف نوعية .

وإن تعميق اندماج الاقتصاد الوطني وتدعيم انفتاحه على العالم الخارجي يتطلب منا استحثاث نسق التحرير المالي الخارجي والتدرج نحو التحرير الكامل للدينار الذي يبقى رهانا نسعى إلى تحقيقه عبر تمش مرحلي يراعي مقتضيات الوضع الراهن وتعزيزا لما تم تحقيقه إلى حد الآن في هذا المجال وتكريسا للتوجه الذي اتخذناه .

وأعلنا عنه في برنامجنا فإننا نأذن بداية من غرة جانفي 2005 بالترفيع في حقوق التحويل السنوية بعنوان منحة أسفار أعمال المصدرين من 15 % إلى 25 % من محاصيل التصدير وفي السقف السنوي الخاص بهذه المنحة من 000 120 دينار إلى 000 180 دينار قصد مزيد حث المؤسسة على النهوض بالصادرات ومضاعفة مبلغ منحة أسفار أعمال الباعثين من 5000 دينار إلى 000 10 دينار تسهيلا لبعث المشاريع الجديدة .

كما نأذن بحذف التراخيص المتعلقة بفتح ملفات منح أسفار أعمال الصفقات المنجزة بالخارج ومنح أسفار أعمال الموردين تسهيلا وتبسيطا للإجراءات.

وستمكن مؤسسات القرض المتحصلة على ترقيم من حرية تعبئة موارد بالعملة من الخارج بصفة غير محدودة والمؤسسات غير المالية المتحصلة على ترقيم من تعبئة الموارد بالعملة من الخارج في حدود 10 ملايين دينار مقابل 3 ملايين دينار حاليا وذلك قصد معاضدة جهود الدولة في تمويل الاقتصاد وتعبئة الموارد المالية الخارجية .

ونأذن من ناحية أخرى بالترفيع ب 50 % في المبالغ القابلة للتحويل سنويا بعنوان الاستثمار بالخارج بالنسبة للمؤسسة المقيمة المصدرة وبتمكين المؤسسات المقيمة غير المصدرة فردية كانت او شركات من الاستثمار في الخارج لدعم تواجدها على الساحة الخارجية في حدود أسقف سنوية تتراوح بين 000 10 دينار و 000 100 دينار وذلك تشجيعا للمؤسسة على ربط قنوات جديدة وتعزيز شراكتها مع المؤسسات الأجنبية وتسهيل الاندماج في المحيط الإقليمي خاصة في بلدان الاتحاد المغاربي وتعزيز آفاق تطور الصادرات .

كما أسدينا تعليماتنا بالسماح بفتح حسابات بالعملة لمصدري الخدمات من الأشخاص الطبيعيين لحفزهم على تكثيف جهودهم في مجال تصدير الخدمات والترفيع في نسبة الموارد المسموح بإيداعها في الحسابات المهنية من 70 % إلى 100 % وذلك لتعزيز القدرة التنافسية للمؤسسة عبر تمكينها من التغطية ضد مخاطر الصرف . إننا حريصون على إحكام انطلاق تنفيذ برنامجنا وفق منهجية مضبوطة تعطي مكانة مهمة للتقييم الدوري حتى نحقق في ضوئه أفضل النتائج لبلادنا علي جميع الأصعدة.

إننا نعول على أنفسنا وطاقات بلادنا وقدرات أبنائها وبناتها واثقين بسلامة خياراتنا ساعين باستمرار من أجل التعاون والتضامن مع الأشقاء والأصدقاء حريصين على تعميق روابطنا مع شركائنا في مختلف أنحاء العالم .

إننا حرصنا منذ التغيير على تكريس مبادئ الاحترام المتبادل والتفاهم والاعتدال والتعاون والتضامن في علاقاتنا الخارجية على المستويين الثنائي ومتعدد الأطراف متمسكين بسيادتنا الوطنية وبانتمائنا الحضاري ومقومات الشخصية الوطنية التونسية الراسخة في محيطها المغاربي والعربي والإسلامي والإفريقي والمتوسطي . نعمل على خدمة السلم والاستقرار ودعم مقومات الأمن والتضامن لا ندخر جهدا في خدمة القضايا العادلة وفي مقدمتها قضية الشرق الأوسط واسترداد الشعب الفلسطيني لحقوقه.

ولابد في هذا المقام أن نعرب مجددا وبكل خشوع عن بالغ الأسى والحسرة لفقدان الشعب الفلسطيني الشقيق وفقدان أمتنا العربية لقائد فذ ومكافح صامد وزعيم رمز وشقيق عزيز علينا المناضل الراحل عنا الرئيس ياسر عرفات تغمده الله برحمته . وادعوكم إلى الوقوف ترحما على روح الفقيد الطاهرة.

ونحن نأمل وقد بقي كفاحه البطولي رمزا لا يندثر وتمسكه بحقوق الشعب الفلسطيني الشقيق ثابتا لا يتزعزع أن يتمكن الأخوة الفلسطينيون بدعم من أمتنا العربية ووقفة حازمة من المجتمع الدولي والبلدان الراعية للسلام وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية من استئناف المسيرة السلمية نحو إقامة دولتهم المستقلة في ظل الوحدة الوطنية وتحت راية السلام والاستقرار لكافة شعوب المنطقة .

ونحن حريصون على دعم كل ما يخدم العمل العربي المشترك ويدفع مسيرة الإصلاح والتحديث في منطقتنا وعلى تكثيف الجهود الأممية والدولية لمساعدة الشعب العراقي الشقيق على استعادة استقراره والتفرغ في نطاق وحدته الترابية إلى إعادة إعمار بلاده .

وسنعمل على مواصلة تعزيز مسار الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لتحقيق النقلة النوعية المنشودة على درب الاندماج في محيطنا الخارجي بما يخدم مصالح تونس ويفتح آفاقا أوسع أمام أجيالها القادمة .

وإرادتنا قوية لدعم التعاون مع البلدان الإفريقية الشقيقة على الصعيد الثنائي وفي إطار التعاون الثلاثي ومن خلال آليات الاتحاد الإفريقي وبرامجه وكذلك لدفع التعاون مع دول قارتي أمريكا واسيا وتوسيع آفاقه.

إن شعبنا قادر على صنع المعجزات بفضل ذكاء أبنائه وبناته وعزمهم على رفع التحديات ونحن ندخل بعون الله هذه المرحلة الجديدة بكل تفاؤل لأننا واثقون من شعبنا .

وكلنا إخلاص للوطن

وكلنا للعمل والمثابرة

من أجل تونس ورقيها وعزتها ومناعتها

" قل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا"

صدق الله العظيم.